|
الآثار القانونية المترتبة عن اكتساب صفة التاجر |
بمجرد اكتساب الشخص صفة التاجر تقع على عاتقه العديد من الواجبات والالتزامات المهنية التي يفرضها عليه القانون، البعض منها تقرر لمصلحة التاجر نفسه، والبعض الآخر كرسه المشرع حماية للغير الذي تعامل مع ذلك التاجر. وما يهمنا هنا هو الحديث عن التزامين أساسيين.
الالتزام بمسك الدفاتر التجارية
الدفاتر التجارية عبارة عن سجلات أو كراريس تضم صفحات مرقمة يعدها ويمسكها التاجر نفسه من أجل بيان مركزه المالي بالوجه الذي يتطلبه القانون، فيدون فيها حقوقه والتزاماته، مشترياته ومبيعاته ووجوه دخله وإنفاقه. فهذه الدفاتر عملية ومفيدة للتاجر نفسه، وكذا بالنسبة للغير فهي تكتسي أهمية بالغة.
من أجل كل هذه الأسباب ألزم المشرع التجار - تحت طائلة مجموعة من الجزاءات المدنية والجزائية - بأن تكون لهم دفاتر تجارية نظامية معدة وفقًا لشروط قانونية معينة، مع ضرورة الاحتفاظ بها لمدة زمنية محددة. وعلى ذلك سنتناول موضوع الدفاتر التجارية من خلال أربع نقاط أساسية: بدءًا بالأشخاص الملزمين بمسك الدفاتر التجارية ، ثم أنواع الدفاتر التجارية ، تليها مسألة انتظام الدفاتر التجارية ، لنختم بأهم نقطة وهي حجية الدفاتر التجارية في الإثبات .
1- الأشخاص الملزمون بمسك الدفاتر التجارية
جاء في المادة 9 من القانون التجاري ما يلي:
" كل شخص طبيعي أو معنوي له صفة التاجر ملزم بمسك دفاتر لليومية يقيد فيها يومًا بيوم عمليات المقاولة أو أن يراجع على الأقل نتائج هذه العمليات شهريًا بشرط أن يحتفظ في هذه الحالة بكافة الوثائق التي يمكن معها مراجعة تلك العمليات يوميًا ".
وعليه فالالتزام بمسك الدفاتر التجارية واجب قانوني مفروض على كل من يكتسب صفة التاجر، سواء كان شخصًا طبيعيًا أو معنويًا (شركة تجارية مثلًا)، وطنيًا أو أجنبيًا طالما أنه يمارس التجارة في إقليم الدولة الجزائرية. أما باقي الأفراد العاديين الذين لا يحوزون هذه الصفة فهم غير معنيين قانونًا بهذا الالتزام حتى ولو قاموا بممارسة أعمال تجارية منفردة (كالشراء من أجل إعادة البيع)، أو أية أعمال تجارية أخرى على مراحل متقطعة.
2- أنواع الدفاتر التجارية
الدفاتر التجارية ليست نوعًا واحدًا فهناك الدفاتر الإجبارية التي لا غنى للتاجر عنها (أولًا)، وهناك الدفاتر الاختيارية أو الجوازية التي بإمكانه مسكها إذا اتجهت إرادته لذلك (ثانيا):
أولا: الدفاتر الإجبارية
وهي تلك الدفاتر التجارية التي نص القانون صراحة على إلزامية مسكها من قبل التاجر، فزيادة على دفتر اليومية المكرس صراحة في المادة 9 من القانون التجاري المذكورة أعلاه، اشترط المشرع إلى جانبه دفتر الجرد والميزانية بموجب المادة 10 من القانون التجاري، والتي جاء فيها:
" يجب عليه أيضًا أن يجري سنويًا جردًا لعناصر أصول وخصوم مقاولته وأن يقفل كافة حساباته بقصد إعداد الميزانية وحساب النتائج. وتنسخ بعد ذلك هذه الميزانية وحساب النتائج في دفتر الجرد ".
ثانيا: الدفاتر الاختيارية
على عكس النوع السابق فهذه الدفاتر لم يستلزمها القانون صراحة ولم يلزم التجار بمسكها، لذلك فإن لجوء هؤلاء الأخيرين إلى استخدامها يكون عادة بمحض إرادتهم تبعًا لما تمليه طبيعة النشاط التجاري وظروف ومقتضيات الاستغلال التجاري. ومن أبرز الدفاتر الاختيارية ما يلي:
- دفتر الصندوق أو الخزينة: وهو الدفتر الذي يقيد فيه التاجر حركة السيولة النقدية من إيرادات (داخلة) ومصروفات (خارجة).
- دفتر المشتريات والمبيعات: هو الآخر يسجل فيه التاجر حركة السلع والبضائع سواء تلك التي يشتريه أو التي يقوم بيعها، ويسمى هذا الدفتر كذلك بـ: دفتر المخزن.
- دفتر الأوراق التجارية: وتدون فيه حركة مختلف الأوراق التجارية التي يستخدمها التاجر لتسوية معاملاته التجارية (السفاتج والسندات الإذنية وغيرها) سواء المسحوبة من قبله أو عليه، حيث تسجل فيه أهم البيانات المتعلقة بتلك الأوراق لاسيما مواعيد استحقاقها.
- دفتر الأستاذ (Grand livre): والذي يتم على مستواه القيد النهائي لكل المعلومات والبيانات المسجلة في سائر دفاتر التاجر الأخرى، حيث يتضمن النتائج النهائية لنشاط التاجر ومعاملاته التجارية والتي تسجل إما على أساس وحدة العميل (الزبون) أو وحدة العملية.
3- انتظام الدفاتر التجارية وإلزامية الاحتفاظ بها
نظرًا للأهمية الكبيرة التي تكتسيها الدفاتر التجارية في حياة التاجر المهنية لاسيما في مجال الإثبات، فقد استلزم المشرع بشأنها مجموعة من الشروط القانونية المتعلقة بالترقيم والاعتماد (التأشير عليها) وسلامة القيد، وذلك من أجل ضمان صحة البيانات أو المعلومات الواردة فيها، فإن استوفت تلك الشروط انطبق عليها وصف الدفاتر التجارية المنتظمة بما يحمله هذا الوصف من نتائج وآثار قانونية.
حيث نصت المادة 11 من القانون التجاري بهذا الخصوص على ما يلي:
" يمسك دفتر اليومية ودفتر الجرد بحسب التاريخ وبدون ترك بياض أو تغيير من أي نوع كان أو نقل إلى الهامش.
وترقم صفحات كل من الدفترين ويوقع عليهما من طرف قاضي المحكمة حسب الإجراء المعتاد ".
وعلى ذلك يجب لكي تكون دفاتر التاجر قانونية ومنتظمة أن تكون خاليةً من الفراغات أو الكتابة في الهامش، وأن لا تحتوي على تحشير بين الأسطر. كما أوجبت المادة 11 من القانون التجاري المذكورة أعلاه
على التاجر كذلك ضرورة ترقيم أوراق كل من دفتر اليومية ودفتر الجرد قبل استعمالهما، مع إلزامية التأشير عليهما (الدفترين) من طرف قاضي المحكمة المختصة التي يمارس التاجر نشاطه التجاري في دائرة اختصاصها، والغرض من ذلك بطبيعة الحال هو التأكد من تسلسل الصفحات وتعاقبها من جهة، ومن جهة أخرى لتفادي تغيير المعلومات الموجودة فيها عن طريق إقدام صاحبها مثلًا على حذف أي صفحة من تلك الصفحات أو إخفاءها أو استبدالها بورقة أخرى.
وبالموازاة مع هذه الشروط القانونية التي بتوافرها تكون الدفاتر التجارية منتظمة، وتكون بالنتيجة المعلومات المدونة فيها صحيحة ويمكن الاعتماد عليها في الإثبات، فقد فرض المشرع على التاجر التزامًا قانونيًا آخر مفاده ضرورة الاحتفاظ بهذه الدفاتر لمدة 10 سنوات (المادة 12 من القانون التجاري).
ومن أجل حمل التاجر على الامتثال لهذا الالتزام القانوني الخاص رتب المشرع نوعين من الجزاءات؛ إحداهما مدنية والأخرى جزائية، والتي من الممكن أن توقعا عليه سواء في حالة عدم مسكه أصلًا لدفاتر تجارية، أو في حالة عدم انتظام هذه الأخيرة (الدفاتر) نتيجة عدم مطابقتها للشروط القانونية المذكورة آنفًا.
4-كيفية الرجوع إلى الدفاتر التجارية:
يتم الرجوع إلى الدفاتر التجارية والاحتجاج بها أمام القضاء بناء على أمر صادر عن المحكمة (إما من تلقاء نفسها أو بناءً على طلب أحد الخصوم)، ويكون ذلك بإحدى الطريقتين التاليتين:
1/ إما عن طريق التقديم (La représentation) من أجل الاطلاع الجزئي؛ وذلك من خلال عرض الدفتر التجاري على المحكمة لتستخلص منه دليلًا يظهر وجه الحقيقة في الخصومة أو المنازعة المطروحة أمامها، حيث تتقيد المحكمة في هذه الحالة بالبحث فقط عن الدليل الوثيق الصلة بموضوع النزاع دون التعرض لباقي البيانات الأخرى التي لا علاقة لها به.
الالتزام بالقيد في السجل التجاري
نظام السجل التجاري نظام قديم عرف في القرن الثالث عشر من قبل طوائف التجار التي كانت منتشرة في المدن الإيطالية، والتي كانت تقوم بقيد أسماء التجار المنتمين إليها في قوائم خاصة، لمجرد إحصاءهم والتمكن من دعوتهم إلى حضور الاجتماعات المهنية في مرحلة أولى، ليصبح الغرض من ذلك في مرحلة تالية هو جمع بيانات هؤلاء التجار المتعلقة بتجارتهم وإرسالها إلى تجار آخرين، وهكذا نشأ السجل التجاري باعتباره قائمة تضم أسماء التجار أعضاء الطائفة المهنية الواحدة، ويصبح بمثابة أداة للاستعلام عن التاجر من دون الحاجة إلى رضاه وموافقته.
والحديث عن الالتزام بالقيد في السجل التجاري يستدعي منا التطرق إلى مجموعة من النقاط الهامة؛ بدءًا بتحديد الأشخاص المعنيين بهذا الالتزام ، ثم الآثار القانونية المترتبة عن القيد في السجل التجاري ، وانتهاءً بالآثار القانونية الناجمة عن عدم القيد في السجل التجاري .
1- الأشخاص الملزمين قانونًا بالقيد في السجل التجاري
حدد المشرع الأشخاص الخاضعين للقيد في السجل التجاري أساسًا بموجب المادتين 19 و20 من القانون التجاري، حيث جاء في الأولى ما يلي: " يلزم بالتسجيل في السجل التجاري:
- كل شخص طبيعي له صفة التاجر في نظر القانون التجاري ويمارس أعماله التجارية داخل القطر الجزائري.
- كل شخص معنوي تاجر بالشكل، أو يكون موضوعه تجاريًا، ومقره في الجزائر، أو كان له مكتب أو فرع أو أي مؤسسة كانت ".
وتضيف المادة الثانية بقولها: " يطبق هذا الإلزام خاصة على:
- كل تاجر، شخصًا طبيعيًا كان أو معنويًا.
- كل مقاولة تجارية يكون مقرها في الخارج وتفتح في الجزائر وكالة أو فرعًا أو أية مؤسسة أخرى.
- كل ممثلية تجارية أجنبية تمارس نشاطًا تجاريًا على التراب الوطني ".
وتدعيمًا لما جاء في هذين النصين، أكد المشرع من جديد - في موضع آخر ضمن النصوص التشريعية غير المدرجة في القانون التجاري - على الأشخاص الملزمين بالقيد في السجل التجاري وعلى أولئك المعفون من هذا الالتزام القانوني، وذلك بموجب أحكام المواد: 4، 6 و7 من القانون رقم 04/08 المؤرخ في 14 أوت 2004 والمتعلق بشروط ممارسة الأنشطة التجارية المعدل والمتمم آنف الذكر، ليتضح لنا جليًا بأن القيد في السجل التجاري لا يمكن أن يتم ما لم تتوافر الشروط التالية:
- وجوب أن يكون الشخص تاجرًا بمفهوم القانون التجاري الجزائري:
- مزاولة النشاط التجاري داخل التراب الوطني:
- أن لا يكون الشخص ممنوعًا من مزاولة التجارة أو خاضعًا لنظام خاص ينص على حالة تناف:
2- الآثار القانونية المترتبة عن القيد في السجل التجاري
تترتب عن التسجيل في السجل التجاري مجموعة من الآثار القانونية، والتي يمكن إجمالها في الآتي:
1/ اكتساب صفة التاجر وجواز الاحتجاج بها في مواجهة الغير:
حيث يعتبر القيد في السجل التجاري قرينة قاطعة على تمتع الشخص بصفة التاجر بما تحمله هذه الصفة من نتائج قانونية، وهذا ما قضت به المادة 21 من القانون التجاري حيث جاء فيها ما يلي:
" كل شخص طبيعي أو معنوي مسجل في السجل التجاري يعد مكتسبًا صفة التاجر إزاء القوانين المعمول بها ويخضع لكل النتائج الناجمة عن هذه الصفة ". وفي نفس السياق تضيف المادة 2/2 من القانون رقم 04/08 المؤرخ في 14 أوت 2004 والمتعلق بشروط ممارسة الأنشطة التجارية المعدل والمتمم آنف الذكر قائلة: " يعد مستخرج السجل التجاري سندًا رسميًا يؤهل كل شخص طبيعي أو اعتباري يتمتع بكامل أهليته القانونية، لممارسة نشاط تجاري، ويعتد به أمام الغير إلى غاية الطعن فيه بالتزوير ".
2/ اكتساب الشركة التجارية للشخصية المعنوية:
زيادة على ضرورة إيداع ونشر العقود التأسيسية للشركة التجارية لدى المركز الوطني للسجل التجاري باعتباره شرطًا شكليًا يؤدي تخلفه إلى بطلان تلك العقود، فإن القيد في السجل التجاري يؤدي كذلك بالنسبة للشركات التجارية إلى اكتسابها الشخصية المعنوية بما تحمله هذه الأخيرة من نتائج قانونية، حيث جاء في المادة 549 من القانون التجاري ما يلي:
" لا تتمتع الشركة بالشخصية المعنوية إلا من تاريخ قيدها في السجل التجاري ... ".
3/ مسؤولية التاجر عن الديون الخاصة باستغلال المحل التجاري في حالة تنازله عنه أو تأجيره:
عملًا بأحكام المادة 23 من القانون التجاري التي جاء فيها:
" مع عدم الإخلال بتطبيق المادة 209 المتعلقة بتأجير المتاجر على وجه التسيير الحر، فإنه لا يمكن للتاجر المسجل الذي يتنازل عن متجره أو يؤجر استغلال تأجير التسيير، أن يحتج بإنهاء نشاطه التجاري للتهرب من القيام بالمسؤولية التي هي عليه من جراء الالتزامات التي تعهد بها خلفه في استغلال المتجر، إلا ابتداء من اليوم الذي وقع فيه إما الشطب وإما الإشارة المطابقة وإما الإشارة التي تتضمن وضع المتجر على وجه تأجير التسيير ". فإن التاجر يظل مسؤولًا في مواجهة الغير عن الوفاء بالتزاماته المالية المرتبطة بمهنته حتى بعد توقفه عن ممارسة نشاطه، لاسيما منها الالتزامات والديون الناجمة عن استغلال محله التجاري من قبل خلفه - في حالة بيعه المحل أو تأجيره -، وذلك إلى غاية تاريخ تسجيل شطبه من السجل التجاري، أو التأشير فيه (السجل) بما يفيد تأجير محله التجاري تأجير تسيير.
3- الجزاءات المترتبة عن عدم القيد في السجل التجاري
من أجل حمل التاجر على الامتثال لهذا الالتزام القانوني والمهني المتمثل في إتمام إجراءات القيد في السجل التجاري، رتب المشرع ثلاث (3) أنواع من الجزاءات التي من الممكن أن توقع على كل شخص يمارس نشاطًا تجاريًا من دون استيفاء هذا الإجراء؛ منها المدنية ومنها الإدارية (الضبط الإداري)، وكذا الجزائية