📁 آخر المواضيع

المسؤولية القانونية الدولية

المسؤولية القانونية الدولية

أهمية وطبيعة المسؤولية القانونية الدولية

أثرت المذاهب الفقهية عبر العصور في قواعد وأحكام المسؤولية الدولية، وكان لها دور في تطوير وتغيير المفاهيم التقليدية للمسؤولية إلى مفاهيم معاصرة تساير تطور العلاقات الدولية، أثر على دور الهيئات الدولية في تحديد مفهوم دقيق للمسؤولية، فنجد أن معهد القانون الدولي يعرف المسؤولية بأنها مساءلة الدولة عن كل فعل أو امتناع يتنافى مع التزاماتها، في حين أن لجنة القانون الدولي لدول أمريكا اللاتينية لم تعرف المسؤولية الدولية، وإنما حددت بعض الأحكام التي تجتمع فيها خصائص تعريف المسؤولية، ومن بينها عدم جواز التدخل لحمل الدولة على تنفيذ التزاماتها الدولية، وكذلك عدم جواز اللجوء إلى القوة العسكرية لتحصيل الديون العقدية مهما كان الوضع، في حين تسأل الدولة عن الحرب العدوانية، عن الأضرار التي تنشأ جراء ذلك، في حين اعتبرت لجنة التحكيم أن المسؤولية الدولية تعني الواجب في أداء التعويض الناتج عن الفشل في القيام بالتزامات الدولية.

     كما اعتبرت المحكمة الدائمة للعدل الدولي في قضية الفوسفات المغاربية عام 1938 وكذا القرار الشهير حول "مصنع شوزو" المسؤولية الدولية مبدأ من مبادئ القانون، وبناء عليه فإن كل من ارتكب مخالفة لالتزام دولي يلتزم بالتعويض

     تأكدت الطبيعة القانونية للمسؤولية الدولية، باعتبارها مبدأ من مبادئ القانون الدولي أقره الفقه الدولي، فرغم أنه لم يعرف المسؤولية الدولية، إلا أنه لم يشكك في اعتبار المسؤولية الدولية مبدأ من المبادئ، عرف الفقيه "كلسن" المسؤولية الدولية على أنها المبدأ الذي ينشأ التزاما بإصلاح أي انتهاك للقانون. 

     إن اعتبار المسؤولية القانونية الدولية مبدأ من مبادئ القانون الدولي أكدته نصوص وأحكام قانونية عديدة، حيث جاء ضمن مشروع تقنين المسؤولية في لاهاي لعام 1930 بشأن المسؤولية الدولية تتضمن الالتزام بإصلاح الضرر الناتج عن إخلال الدولة بالتزاماتها، ويمكن أن تتضمن حسب المبادئ العامة للقانون الدولي الالتزام بتقديم ترضية للدولة التي أصابها الضرر.

الأسس القانونية لحديد المسؤولية الدولية

استقر الفقه الدولي على اعتبار المسؤولية الدولية أنها إخلال بالالتزام دولي تنشأ إثره رابطة قانونية جديدة بين شخصين من أشخاص القانون الدولي، وهما الشخص المخل بالالتزام الدولي والشخص المضرور  من الإخلال، عمل الفكر الغربي على طرح الأسس التي يمكن أن تبين عليها مسؤولية الدولة سواء كانت هذه الأسس قانونية كالخطأ أو الحقوق المكتسبة، أو كانت أخلاقية كالإنصاف وفكرة العدالة، وأقر الأستاذ "جعفر عبد السلام" أن الدول الغربية كانت تضع معايير واسعة لتحديد المسؤولية، قصد حماية ممتلكات رعاياها واستثماراتهم في الدول الصغيرة، مدعية بوجود عرف دولي قوي بهذا الصدد، كما تلجأ إلى استخدام القوة العسكرية للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الضعيفة، معتبرة بهذا المسؤولية الدولية مجرد ستار تختفي وراءه الأطماع الحقيقية للدول الغربية، وهذا كما ورد ضمن تصريح أحد الدبلوماسيين المكسيكيين  والذي أكد أن: المسؤولية الدولية مجرد توصية قانونية تساعد على حماية المصالح الدولية خلال القرن التاسع عشر والعشرين.

التعريف القانوني للمسؤولية الدولية

عرف معهد القانون الدولي المسؤولية الدولية بأنها مساءلة الدول عن كل فعل أو امتناع يتنافى مع التزاماتها الدولية  أيا كانت سلطة الدولة التي أنشأته تأسيسية  أم قضائية أم تنفيذية 
   أما لجنة القانون الدولي لدول أميركا اللاتينية فلم تعرف المسؤولية الدولية، وإنما بادرت بتحديد بعض الأحكام التي تجتمع فيها خصائص المسؤولية الدولية، وهذه الأحكام أو المبادئ تتعلق بعدم جواز التدخل لحمل الدولة على تنفيذ التزاماتها الدولية، وكذلك لا تسأل الدولة عن الأفعال أو الامتناع عنها فيما يتعلق بالأجانب باستثناء الحالات المشابهة التي تسأل الدولة فيها عن أفعال أو امتناع رعاياها طبقا لقوانينها، وهو المبدأ الذي يربط مسألة الإصلاح والتعويض قياسا بالقانون الداخلي، ولا تسأل الدول عن الأضرار التي تلحق بالأجانب نتيجة أعمال شغب أو ثورة سياسية أو اجتماعية، إلا في حالة خطأ سلطاتها. 
    في حين اعتبر قاموس مصطلحات القانون الدولي لعام 1960 بأنها:" المسؤولية الدولية الالتزام الواقع بمقتضى القانون الدولي على الدولة المنسوب إليها ارتكاب فعل أو امتناع مخالف لالتزاماتها الدولية بتقديم تعويض إلى الدولة المجني عليها في شخصها أو في أموال رعاياها"
     اعتبر أيضا  قاموس مصطلحات القانون الدولي لسنة 1910 المسؤولية الدولية بأنها الالتزام الواقع بمقتضى القانون الدولي، وعلى الدولة المنسوب إليها ارتكاب فعل مخالف بالتزامات الدولية تقديم تعويض، في حين أن لجنة القانون الدولي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، والتي اعتمد ضمن مشروع المسؤولية الدولية للدولة عن أعمالها غير المشروعة واعتبرت المسؤولية ضمن المادة الأولى منه كل عمل غير مشروع دوليا تقوم به الدولة يستوجب مسؤوليتها.
    تطرقت اتفاقية لاهاي الرابعة لعام 1907 الخاصة بقواعد الحرب البرية إلى تعريف المسؤولية الدولية للطرف المحارب الذي يخل بالالتزام بأحكام الاتفاقية يلتزم بالتعويض، ويكون مسؤول عن الأفعال التي تقع من أفراد قواته المسلحة، كما عرفتها اللجنة التحضيرية لمؤتمر تقنين لاهاي لعام 1930 وهي بصدد إعدادها لمشروع المسؤولية الدولية بأن المسؤولية تتضمن الالتزام بالإصلاح الضرر الواقع إذا نتج عن إخلال الدول بالتزاماتها الدولية.
    أكدت المادة الثانية من مشروع لجنة القانون الدولي بشأن مسؤولية الدول المقدمة عام 2001 بأن ترتكب الدولة فعلا غير مشروع دوليا إذا كان التصرف المتمثل في عمل أو إغفال ينسب إلى الدولة بمفترض القانون الدولي، ويشكل خرقا لالتزام دولي على الدولة . 
       يؤخذ على التعريفات المطروحة سواء كانت فقهية أو قانونية تركيزها على التعويض كأثر للمسؤولية، ولكن هناك حالات لا يكون التعويض هو الجزاء الوحيد، فثمة أضرار أدبية لا يمكن إصلاحها إلا بالترضية، كما أن التعويض لا يغني عن المساءلة الجزائية، ويمكن أن يكون إصلاح الضرر عن طريق الرد العيني
    إن أغلب التعريفات التي اعتبرت سبب نشوء المسؤولية هو قيام الدولة بمخالفة التزام يفرضه القانون الدولي أو قيامها بفعل يحظره القانون الدولي، هذا من بين الأسس المرتكز عليها لقيام المسؤولية الدولية ولكن ليس الأساس الوحيد، وإنما هناك أسس أخرى أقرها القضاء والعمل الدوليين، وهي قيام المسؤولية على أفعال لا يحظرها القانون الدولي العام.
تعليقات