أهمية مبدأ استقلالية السلطة القضائية |
تبرز أهمية استقلال السلطة القضائية في مجالات عدة سواء كانت متعلقة بالدولة أو بالشخص.
1- أهمية مبدأ استقلال القضاء فيما يتعلق بالدولة:
يعتبر هذا المبدأ الضمان الأساسي لدولة القانون وسيادته، ويتضح دوره من خلال عدم وجود وسيلة لتحقيق التطبيق الصحيح للقواعد القانونية على المنازعات التي تعرض على القضاء، إلا إذا كان القضاء القائم بهذا التطبيق في منأى عن أي تدخل أو ضغوط من قبل السلطات أو الأفراد، لأنه لن يكون هناك جدوى من القواعد القانونية إلا إذا قامت على تطبيقه سلطة تمتلك خبرة واختصاصا وذات قدرة، ولا يقدر على حمل هذه الثقة أو المسؤولية إلا قضاء مستقل ومحايد يتمكن من أداء مهامه بدون تدخل أو ضغوط، لأن وظيفة القضاء في تطبيق القانون هي من أهم أعمال الدولة وأخطرها بكونه الجهاز المشرف على ضمان تطبيق القانون، ويتمثل إذا توافرت له الامكانيات اللازمة أن يقر الحقوق المعترف بها للمواطن، ويمنع من تغول إحدى السلطات على الأخرى، وكذا يمنع بشكل أساسي من فقدان ثقة المواطن بالدولة لأن هذه الثقة تمثل الأساس المتين في بناء المجتمع، فالقضاء المستقل له دور كبير في إقامة المجتمع السليم، كما يناط به مهمة حماية تطبيق القواعد القانونية وكفالتها فهو حارس القواعد القانونية.
يضمن استقلال السلطة القضائية إنشاء دولة القانون التي تحافظ على التوازن فيما بين مختلف السلطات العامة في الدولة، وتكون بذلك الدليل الفعلي للوجه الديمقراطي للنظام الحاكم وسنده في الاستقرار والتقدم، وبفعاليته يقاس مدى الاستقرار السياسي، ولا يتصور أبدا وجود الديمقراطية في دولة تكون السلطة القضائية فيها غير مستقلة، وبدون القضاء المستقل تصبح الدساتير والمواثيق والقوانين مجرد شعارات جوفاء يتغنى بها الحكام، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن القضاء المستقل يكفل للناس الضمان المستمد من تدرج القواعد القانونية، فمن المعروف أن القواعد القانونية ليست في مرتبة واحدة من حيث القوة والقيمة، ففي الهرم القانوني توجد القواعد الدستورية التي تتبوأ المكانة الأسمى ثم تليها القواعد القانونية التي بينها المشرع العادي ثم اللوائح الصادرة عن السلطة الإدارية، ويستمر هذا التدرج حتى يتم الوصول إلى القرار الفردي الصادر عن سلطة إدارية دنيا، ويترتب على هذا التدرج وجوب خضوع القاعدة الأدنى للقاعدة الأعلى، فبدون قضاء مستقل سيتمكن أي كان سواء كان حاكما أو شخصا عاديا من تعطيل حكم القاعدة الدستورية أو القانونية بخصوص حالة معينة.
وتجدر الإشارة إلى أن القضاء لا يمكن أن يقوم بدوره هذا إلا في نطاق الدولة القانونية، تلك الدولة التي تخضع في جميع مظاهر نشاطها للقانون سواء كان من حيث الإدارة أم القضاء أم التشريع، أي أن تكون السيادة في هذه الدولة لحكم القانون، بحيث أنه يسمو على السلطة وبالتالي فإن خير ضمان لدولة القانون يكون عن طريق القضاء المستقل الذي يحافظ على القانون ويكفل تطبيقه، أي أنه يمكن القول: أن استقلال القضاء يكفل نزاهة القانون وكذلك يكفل مبدأ سيادة القانون.
وقد أكد الدستور الفرنسي وقوانين الجمهورية منذ صدور قانون 78-18 أن القاضي مستقل عن الإدارة الممثلة في السلطة التنفيذية، وذلك تبعا لمبدأ الفصل بين السلطات.
ورغم استقلالية السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية فإن أهم عمل يمس بهذه الاستقلالية هو أن الإدارة الممثلة في السلطة التنفيذية هي التي تشرف على عملية التعيين بحيث تنص المادة 3 من القانون العضوي 04-11 المتضمن القانون الأساسي للقضاء على أنه " يعين القضاة بموجب مرسوم رئاسي بناءا على اقتراح من وزير العدل، وبعد مداولة المجلس الأعلى للقضاء".
وغني عن البيان أن هذا المرسوم لا يصدر إلا بعد القيام بعملية التحقيقات الإدارية والاجتماعية بخصوص حياة وعلاقات القاضي، ومنه فإنه يشترط أن تكون هذه التحقيقات إيجابية حتى يتم إصدار مرسوم التعيين، كذلك تجدر الإشارة إلى نص المادة 3 الذي جاء موضحا لكيفية تعيين القضاة، وكأن هناك فرق بين الصنفين، مع العلم أن الصنف الواحد والتعيين واحد، فالطلبة القضاة هم الذين يعينون كقضاة.
إن المساس باستقلالية القاضي بصفة عامة والقاضي الإداري بصفة خاصة في القانون الجزائري واضحة، بحيث بالإضافة إلى منح سلطة تعيين القضاة للسلطة التنفيذية فإنه يعيب على القانون العضوي والخاص بالمجلس الأعلى للقضاء أنه يقرر تعيين القضاة طبقا للشروط التي يحددها القانون.
2- أهمية مبدأ استقلالية القضاء فيما يتعلق بالأشخاص:
تكمن أهمية هذا المبدأ بأنه الضمان لحماية حقوق الأفراد وحرياتهم، إذ من المعروف أن القضاء هو الميزان الذي يحقق العدالة ويدافع على حقوقهم وحرياتهم في حالة انتهاكها، ولا يمكن أن يقوم القضاء بمهمته هذه إلا إذا كان مستقلا محايدا لإيهاب أحد مهما كان نفوذه، وبهذا يستطيع أن يعطي لصاحب الحق حقه، أو عندما يتم انتهاكها من قبل السلطات العامة في الدولة، لأن الشخص في أي دولة كانت لا يستطيع أن يغش بمعزل عن تصرفات السلطات التي لابد أن تمس بحقوق المواطنين بصورة مباشرة أو غير مباشرة، فمثلا بخصوص السلطة التنفيذية فإن هذه السلطة بما تملك من صلاحيات كبيرة لتنظيم حقوق الأفراد وحرياتهم قد تنتهك بما تصدره من لوائح وأوامر وتعليمات وما تتخذه من إجراءات، وكذلك بكونها المسؤولة عن تنفيذ القوانين فإنها قد تتهم الأفراد ظلما بارتكاب جريمة ما، أي تصبح السلطة التنفيذية مصدرا للظلم والشكوى من قبل الأفراد، وقد أصبح توسيع هذا المبدأ وتعميقه هو الشرط الحتمي لتأمين العدالة وصيانة الحريات وحماية المواطن في مواجهة السلطة والتطبيق الحازم لحكم القانون.
وفي هذه الحالة لن يأمن الأشخاص على أنفسهم بدون وجود قضاء مستقل ومحايد وعادل يدافع عن المعتدى عليه، ويقوم القضاء بهذه المهمة عن طريق الرقابة على أعمال الإدارة رقابة المشروعية، حيث تناط مهمة مراقبة أعمال اإلإدارة إلى القضاء الذي يتوفر فيه كل مقومات الاستقلال والحياد التام، وبذلك تعد ضمانة أساسية تحمي بها حقوق الأشخاص وحرياتهم اتجاه تعسف السلطة التنفيذية إذا ما تجاوزت حدود السلطة وبالتالي إجبارها على احترام القواعد القانونية.
أما فيما يتعلق بالسلطة التشريعية على الرغم من أن هذه السلطة هي المسؤولة عن وضع قواعد عامة مجردة ولا شأن لها بالتطبيق في الحالات الفردية، ولكن مع هذا يمكن لهذه السلطة أن تكون مصدر اعتداء على حقوق الأشخاص وحرياتهم، وذلك بخروجها عن الأحكام العامة للدستور، ويتم ذلك عندما ينص الدستور على حق من حقوق الأفراد فيمكن للمشرع أن ينتهكها أو يعتدي عليها عن طريق إصدار أي تشريع أو قانون يتضمن الحد من هذه الحقوق أو الانتقاص منها أو مصادرتها سواء كانت المصادرة كلية أو جزئية، ومن هنا كانت الرقابة القضائية على دستورية القوانين من أكثر الضمانات فاعلية لحماية الحقوق والحريات عن طريق قيامها بإلغاء أي تصرف أو الامتناع عن تطبيقه إذا ما توضح لها مخالفته للقانون، فهذه الرقابة تكون لهم سلاحا فعالا يستطيعون بمقتضاها الالتجاء إلى جهة مستقلة ومحايدة وتتمتع بضمانات فعالة يتمكنون من خلالها المطالبة بإلغاء القرارات والقوانين المخالفة للدستور والمطالبة بالتعويض عنها. وإن وجود سلطة قضائية مستقلة يحول دون إنشاء المحاكم الخاصة والاستثنائية.
يتبين لنا مما تقدم أن للقضاء المستقل دورا كبيرا وفعالا في صيانة الحقوق وكفالة الحريات فهو يحمل مسؤولية مهمة ، اذ تقع عليه مسؤولية حماية حقوق الانسان.
وأنه كلما كان القضاء قويا متطورا ومستقلا وبعيدا عن التدخلات والتأثيرات الخارجية كلما كانت الحقوق محمية ومضمونة، وإن دور القاضي المستقل من خلال امتناعه عن تطبيق أي قانون أو لائحة يتضمن الانتقاص من هذه الحقوق أو الاعتداء عليها، لأن المطلوب من القاضي هو ليس الاستبعاد أو الامتناع عن تطبيق أي قانون يتعارض مع أحكام الدستور أو
مع النصوص التشريعية فقط وإنما أيضا يتوجب عليه استبعاد النصوص التي لا تتلاءم بحقوق األشخاص ألن هذه المعاهدات والاتفاقيات الدولية تعد مصدرا من مصادر القانون لدى الدول، وقد اعتنق الدستور الفرنسي لعام 1958 أي دستور الجمهورية الخامسة ذلك، حيث نص في المادة 66 الفقرة الثانية على أن " تتولى السلطة القضائية حارسة الحرية . كما أقر الفردية ضمان إحترام هذا المبدأ وفقا للشروط المنصوص عليها في القانون"دستور 96 في نص المادة 147 منه على أن " القاضي لا يخضع إلا للقانون".
وتبعا لنظام هذا الاستقلال فإنه يمتنع على أعضاء السلطة التنفيذية التدخل في الخصومات والمسائل المعروضة على القضاء بتوجيهه نحو الفصل فيها على نحو محدد ويسري هذا الحظر أيا كانت صورة التدخل أو وسيلته، فيستوي في ذلك أن يتخذ صورة مباشرة كأمر أو توجيه طلب أو رجاء أو صورة غير مباشرة كأن يتم في شكل توجيهات أو تعليمات.