أقسام القانون وفقا للفقه |
طبقا للفقه التقليدي ينقسم القانون إلى قانون عام وقانون خاص ، إلا أن هناك فقها حديثا يرى بأن القواعد القانونية المشكلة للقانون على نوعين: قواعد موضوعية وأخرى إجرائية.
التقسيم التقليدي للقانون:
دأب الاتجاه التقليدي منذ عهد الرومان إلى تقسيم القانون إلى قانون عام وقانون خاص، فهذا النوع من التقسيم يرجع تاريخه إلى القانون الروماني، الذي كان يهدف إلى وضع الحاكم في مركز متميز عن المحكومين، وذلك بمنحه سلطات خاصة لا يتمتع بها باقي الأفراد.
ولقد كان الرومان ينظرون إلى القانون العام على أنه قانون الدولة باعتبارها صاحبة السلطة العامة التي تسهر على تحقيق المصلحة العامة. أما القانون الخاص بالنسبة لهم فهو قانون المصالح الخاصة المتروكة للأفراد الذين يتمتعون بكامل الحرية فيما بينهم من أجل السعي لتحقيقها، وهذا تأكيدا للنزعة الفردية التي كانت سائدة في ذلك العهد.
على أن الإشكال المطروح، يتمثل في معرفة معيار التمييز بين القانون العام والقانون الخاص، والذي ليس بالأمر السهل خاصة وأن هناك آراء فقهية متضاربة ومختلفة فيما بينها بخصوص هذا الشأن.
وبالرغم من كثرة المعايير التي قيلت، إلا أنه يمكن التمييز بين ثلاثة منها، وذلك على النحو التالي:
أولا: المعيار الشكلي كأساس للتفرقة بين القانون العام والقانون الخاص:
يذهب هذا المعيار إلى أن أساس التفرقة بين القانون العام والقانون الخاص هو النظر إلى شكل وطبيعة القواعد القانونية، فإذا كانت القاعدة القانونية آمرة لا يجوز للأفراد الاتفاق على مخالفتها فالقانون هنا قانون عام، أما إذا كانت القاعدة القانونية مكملة تبيح للأفراد أن يتفقوا على مخالفتها بالخروج على أحكامها فالقانون هنا قانون خاص. وبذلك يصبح الخضوع للقاعدة القانونية مرادفا للقانون العام، وتصبح الحرية مرادفة للقانون الخاص.
هذا المعيار على الرغم من أنه يصدق في العديد من الحالات، إلا أنه ليس صحيحا على إطلاقه، كما أنه ليس قاطعا في التمييز بين القانون العام والقانون الخاص. فالقانون الخاص يتضمن هو الآخر الكثير من القواعد الآمرة التي لا يمكن استبعادها بالاتفاق على مخالفتها، نظرا لاتصالها بالنظام العام والآداب العامة، كالقواعد المتعلقة بحالات الأشخاص، والقواعد المنظمة للحقوق العينية، فهذه القواعد تعتبر قواعد آمرة، ومع ذلك فإنها ليست من قواعد القانون العام.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن الدولة لا تلجأ دائما إلى استعمال القواعد الآمرة ووسائل الإجبار والإكراه، إذ أنها تتصرف في بعض الحالات كأحد الأفراد العاديين، كما أنها تلجأ في حالات أخرى إلى الوسائل الاتفاقية المبنية على عنصر الرضاء للتعبير عن إرادتها، بحيث تتعاقد مع الأفراد إذا ما كان التعاقد محققا للغرض الذي تنشده، وهذا ما يؤدي إلى تطبيق قواعد المساواة بينها وبين الأفراد.
وكنتيجة لهذا الانتقاد، فإن هذا المعيار تم هجره لأنه لا يصلح كأساس للتمييز والتفرقة بين القانون العام والقانون الخاص.
ثانيا: المعيار الموضوعي كأساس للتفرقة بين القانون العام والقانون الخاص:
يتلخص هذا المعيار في إرجاع التفرقة بين القانون العام والقانون الخاص إلى اختلاف طبيعة المصلحة التي يهدف كل منهما إلى حمايتها. وتطبيقا لهذا المعيار فإن القانون العام يهدف إلى تحقيق مصلحة عامة، أما القانون الخاص فهو الذي يهدف إلى تحقيق مصلحة خاصة.
ما يعاب على هذا المعيار أنه غير دقيق، إذ يؤدي الأخذ به إلى الخلط بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة، إذ لا وجود لحد فاصل بين المصلحتين، فكل القواعد القانونية قد وضعت من أجل حماية أو تحقيق المصلحة العامة سواء من قريب أو من بعيد، لذلك فإن هذا المعيار سوف ينتهي إلى الخلط التام بين القانون العام والقانون الخاص. فإذا كانت قواعد القانون العام تهدف إلى تحقيق المصلحة العامة، فإنها سوف تعود بالنفع على المصالح الخاصة. وفي المقابل إذا كانت قواعد القانون الخاص تهدف إلى تحقيق المصلحة الخاصة، فإنها سوف تؤدي بالتبعية إلى حماية أو تحقيق المصلحة العامة.
كما أنه لا يتصور أن يعمل القانون على تحقيق المصالح الفردية إذا كانت هذه الأخيرة متعارضة مع المصلحة العامة التي تهم الجماعة.
ثالثا: المعيار الشخصي كأساس للتفرقة بين القانون العام والقانون الخاص:
يقوم هذا المعيار على أن أساس التمييز بين القانون العام والقانون الخاص هو صفة أشخاص العلاقة في كل من القانونين، فالحكام تسري عليهم قواعد القانون العام، أما المحكومين فيخضعون لقواعد القانون الخاص.
واستنادا على ذلك، فإن القانون العام يشمل القواعد القانونية التي تنظم الهيئات الحاكمة والعلاقة بين هذه الهيئات وكذلك العلاقة بين هذه الهيئات وبين المحكومين، أما القانون الخاص، فإنه يتضمن القواعد المتعلقة بحالة الأفراد والعلاقة بينهم.
ولقد أعاب بعض الفقه على هذا المعيار أنه ليس صحيحا في جميع الأحوال، ذلك أن الدولة كثيرا ما تبرم علاقات بينها وبين الأفراد، وتتجرد فيها من امتيازات السلطة العامة، بحيث تظهر كفرد عادي، وفي هذه الحالات لا يمكن إخضاع مثل هذه العلاقات للقانون العام.
إلا أنه وبالرغم من هذا الانتقاد يرى ذات الفقه بأن هذا المعيار هو الأقرب إلى الصواب، بشرط تكملته بالمعيار الشكلي، وذلك لتلافي العيوب الموجودة فيه.
وعلى هذا، فإن معيار التفرقة بين القانون العام والقانون الخاص يقوم على أساس الصفة التي تتدخل بها الدولة، أو أحد فروعها، طرفا في العلاقة القانونية، وليس مجرد وجود الدولة، أو أحد فروعها، طرفا في هذه العلاقة.
ومن خلال ما سبق، يمكن القول بأن القانون العام هو القانون الذي ينظم العلاقات التي تشارك فيها الدولة باعتبارها صاحبة السلطة العامة، أما القانون الخاص فهو القانون الذي ينظم علاقات الأفراد بعضهم ببعض أو علاقات الأفراد بالدولة وسائر الهيئات العامة عندما لا تتدخل باعتبارها صاحبة السلطة العامة.
التقسيم الحديث للقانون:
بالرغم من أن غالبية الفقه ترى بأن تقسيم القانون إلى قانون عام وقانون خاص هو التقسيم الرئيسي، إلا أن هناك اتجاه فقهي حديث يرى أنصاره بأن القانون ينقسم إلى قانون موضوعي وآخر إجرائي أو شكلي. فالقانون الموضوعي هو الذي يبين الحقوق والواجبات المختلفة. وأما القانون الإجرائي أو الشكلي فهو الذي يبين الإجراءات واجبة الإتباع والكفيلة بوضع القانون الموضوعي موضع التنفيذ.
ويندرج ضمن القانون الإجرائي قانون الإجراءات المدنية والإدارية، وقانون الإجراءات الجزائية، وقانون الإجراءات الجبائية، والقانون الدولي الخاص.
أما القانون الموضوعي، حسب هذا الاتجاه، فينقسم إلى قانون عام وقانون خاص. وعلى ذلك فإن تقسيم القانون إلى قانون عام وقانون خاص هو تقسيم ثانوي وتكميلي وتابع للتقسيم الرئيسي الذي يقسم القانون إلى قانون موضوعي وقانون إجرائي.
ويندرج ضمن طائفة القانون الخاص، القانون المدني، والقانون التجاري، وقانون شؤون الأسرة، وقانون العمل.
أما القانون العام فإنه ينقسم بدوره إلى قانون عام خارجي وقانون عام داخلي. ويتمثل القانون العام الخارجي في القانون الدولي العام. أما القانون العام الداخلي فإنه يشمل القانون الدستوري، والقانون المالي، وقانون العقوبات، وأخيرا القانون الإداري.
ويبدو أن هذا التقسيم منطقي لحد ما، وذلك لأن القانون الموضوعي هو الذي ينقسم في الحقيقة إلى قانون عام وقانون خاص، أما القانون الإجرائي فلا يعتبر من القانون العام أو القانون الخاص، لأنه يضع إجراءات لخدمة القانون الموضوعي، أيا كان نوعه عاما أو خاصا. ومما يؤكد صحة هذا الرأي هو أن أغلبية الفقهاء يترددون فعلا في تصنيف فروع القانون الإجرائي في أحد قسمي القانون العام أو الخاص، ويعتبرون أنها ذات طبيعة مختلفة ومختلطة، مما يدل على أنها غير خاضعة للتقسيم إلى عام وخاص.
إلا أنه مهما اختلفت الآراء الفقهية حول الأخذ بالتقسيم التقليدي أو التقسيم الحديث للقانون، فإن هذا لا ينفي أن تقسيم هذا الأخير إلى عام وخاص معترف به لدى الفريقين، سواء منهما من يراه رئيسيا ومن يراه تكميليا.