العقد الاداري وفقا للقانون الجزائري |
أولا-تعريف العقد الإداري
ليس من اليسير التوصل إلى تعريف العقد الإداري ، و ذلك لعدة أسباب ، أولها أن الإدارة لا تبرم عقودا إدارية فقط ، إلا أن مجلس الدولة الفرنسي استقر على تعريف العقد الإداري على أن : "العقد الإداري هو كل اتفاق يبرمه أحد الأشخاص المعنوية العامة بغرض تسيير مرفق عام ، على أن يظهر في الاتفاق نية الشخص المعنوي العام في الأخذ بوسائل و أحكام القانون العام ، إما بتضمين الاتفاق شروطا غير مألوفة في عقود القانون الخاص ، أو بالسماح للمتعاقد معها و هو احد أشخاص القانون الخاص بالاشتراك مباشرة في تسيير المرفق العام .
و يعرف الأستاذ سليمان الطماوي العقد الإداري على انه :" بأنه ذلك الذي يبرمه شخص معنوي عام بقصد تسيير مرفق عام أو تنظيمه ، و تظهر فيه نية الإدارة في الأخذ بأحكام القانون العام ، و أن يتضمن العقد شروطا استثنائية غير مألوفة في القانون الخاص ".
أخذ المشرع الجزائري في تعريف العقد الإداري بالمعيار العضوي و ذلك في المادة 800من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية على انه : المحاكم الإدارية هي جهات الولاية العامة في المنازعات الإدارية تختص بالفصل في أول درجة بحكم قابل للاستئناف في جميع القضايا التي تكون الدولة أو البلدية أو إحدى المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية طرفا فيها".
و بالتالي يمكن تعريف العقد الإداري على انه العقد الذي تكون الدولة أو الولاية أو البلدية أو المؤسسة العمومية الإدارية طرفا فيها".
إلا أن الأخذ بالمعيار غير كافي فلابد الأخذ بمعيار الاتصال بالمرفق العام و معيار البند غير المألوف.
ثانيا :-أركان العقد الإداري
يقوم العقد الإداري على ثلاثة أركان شأنه في ذلك شأن العقد الخاص ، و نذكرها على التوالي :
-1ركن الرضا
يوجد الرضا بتطابق إرادتين ، و يتم العقد بمجرد أن يتبادل الطرفان التعبير عن إرادتهما الإيجاب و القبول دون الإخلال بالنصوص القانونية و هو ما نصت عليه المادة 59من القانون المدني ، و في هذا الشأن يطبق القضاء الإداري القواعد المعمول بها في القانون المدني.
و الرضا بالنسبة للإدارة كطرف في العقد يجب أن يكون صادرا من الجهة المختصة بالتعاقد وفقا للنظم المقررة من حيث الاختصاص و الشكل .
و من جانب آخر يجب أن يكون الرضا سليما خاليا من عيوب الرضا ، و القضاء الإداري يسلك مسلك القضاء المدني في إبطال العقود الإدارية التي يشوبها عيب من عيوب الرضا.
-2ركن المحل
يقصد بالمحل العملية القانونية التي يراد تحقيقها من حيث إنشاء حقوق و التزامات متقابلة للمتعاقدين ، فيشترط أن يكون المحل موجودا أو ممكنا ، معينا أو قابلا للتعيين و مما يجوز التعامل به أي مشروعا ، و القضاء الإداري يطبق القواعد المدنية بهذا الشأن إلا ما تستلزمه طبيعة العقود الإدارية .
-3ركن السبب
هو ركن أساسي و جوهري في العقد الإداري ، و يقصد به الغرض الذي يقصده المعاملين ، و السبب أكان مباشرا أو غير مباشر ، و أن السبب في العقد الإداري هو غالبا أو دائما لأجل تحقيق المصلحة العامة و في ضرورات سير المرافق العامة ، و بهذا يمكن القول أن الإدارة لا تتعاقد بدون سبب او بسبب باطل.
-4ركن الشكلية
الأصل في العقود أنها تتم بالتراضي و لا يشترط أن يفرغ العقد في شكل معين إلا إذا نص عليه القانون و العقود الإدارية تخضع للقواعد العامة في القانون المدني ، و لكن الملاحظ أن العقود الإدارية تمر بمراحل متعددة كإجراءات المزايدة و المناقصة و قرار الإرساء و تقتضي أن يكون العقد المبرم مكتوبا .
ثالثا : معايير تمييز العقد الإداري :
وضع الفقه و القضاء الإداري معايير تميز العقد الإداري عن باقي العقود الخاصة و ذلك بتمييزه بمجموعة من المعايير نذكرها على التوالي .
- 1معيار الإدارة طرفا في العقد
القاعدة العامة أن في العقود الإدارية تكون الإدارة أحد أطراف العلاقة القانونية وعليه فان العقد المبرم بين الأفراد العاديين لا يمكن أن يكون عقدا إداريا حتى وان كان احد المتعاقدين هيئة أو مؤسسة خاصة ذات نفع عام.
-2معيار ارتباط العقد بالمرفق العام
يقصد بهذا المعيار أن العقد الذي تبرمه الإدارة مع الأفراد لا يمكن أن يكون إداريا إلا إذا ارتبط بالمرفق العام سواء وجدت معه عناصر أخرى أم لا ، و حتى و إن كان أطرافه شخصان عاديين فقط لأن موضوعه خدمة مرفق عام ، و حالات تكون فيها الإدارة طرفا في العقد و مع ذلك لا يعتبر العقد الذي تبرمه مع شخص خاص عقد إداري لأن موضوعه ليس مرفق عاما.
- 3معيار الشروط الاستثنائية
لقد تبين أن وجود الإدارة طرفا في العقد الإداري لم يعد يكفي لكي يعتبر عقدا إداريا وكذلك الحال بالنسبة لارتباط العقد بالمرفق العام بل يلزم فوق ذلك أن يكون الطرفان قد اتبعا أسلوب القانون العام دون أسلوب القانون واهم وسيلة يعتمد عليها القضاء الإداري للكشف عن نية الإدارة في اختيار وسائل القانون العام هوان يتضمن العقد على شروط استثنائية غير مألوفة في القانون الخاص.
رابعا : أنواع العقود الادارية
هناك العديد من العقود الإدارية و ذلك لكثرة نشاط الإدارة و نذكر منها :
-1عقد الأشغال العامة : و هو عقد مقاولة و الذي بمقتضاه يتعهد شخص بالقيام بعمل من أعمال البناء أو الترميم أو الصيانة مقابل مبلغ مالي
-2عقد توريد : هو اتفاق بين شخص من أشخاص القانون العام و فرد أو شركة يتعهد بمقتضاه الفرد بتوريد منقولات لشخص معنوي مقابل ثمن.
-3عقد الامتياز : و من أهم العقود و فيه يمنح فرد أو شركة حق إدارة و استغلال مرفق عام .
-4عقد انجاز الأشغال : يقوم به مقاول و ذلك بانجاز أشغال قاعدية للإدارة.
خامسا : تنفيذ العقد الإداري
و تنقسم إلى سلطات الإدارة أثناء التنفيذ و حقوق و ضمانات المتعاقد معها
-1سلطات الإدارة في مواجهة المتعاقد معها : و تنحصر في سلطة الرقابة و تعديل شروط العقد و سلطة توقيع العقوبات و الغرامات ، و سلطة فسخ العقد.
أ: سلطة الإشراف و الرقابة : و تأخذ الرقابة على تنفيذ العقد الإداري صورة أعمال مادية كدخول ممثلي الإدارة المتعاقدة آماكن استغلال المرفق محل العقد ، و قد تأخذ صورة أعمال قانونية كتوجيه تعليمات و أوامر و إنذارات.
ب-سلطة تعديل شروط العقد بالإرادة المنفردة : كأن تزيد او تنقص من بنود العقد و لكن يجب ان يكون التعديل في إطار مضمون العقد أي محل العقد و ان يكون مرتبط بالمصلحة العامة، إلا أنه لا يجب ان يمس التعديل الامتيازات المالية التي ينص عليها العقد.
ت-سلطة فرض عقوبات على الطرف المتعاقد : إذا لم ينفذ المتعاقد التزاماته تفرض عليه الإدارة عقوبات كفرض غرامات التأخير و قد تكون محددة سلفا ، كما يمكن أن تصادر الكفالة أو التأمين .
ث-سلطة فسخ العقد الإداري من جانب واحد : و ذلك بإنهاء الرابطة التعاقدية دون اللجوء إلى القضاء ، و هذا نوع من العقوبات التي تمارسها الإدارة بسبب تقصير خطير ارتكبه المتعاقد معها ، أما ماعدا ذلك فان الإدارة ملزمة بالتعويض.
-2حقوق و ضمانات المتعامل المتعاقد : و تتمثل في الحق المالي و إعادة التوازن المالي .
أ-المقابل المالي : و هو من أهم شروط التعاقد التي يسعى إليها المتعاقد و يكون محددا في العقد.
ب-التزام الإدارة بإعادة التوازن المالي : إن بعض الظروف و الأحداث غير المتوقعة تجعل المتعاقد مع الإدارة في وضعية صعبة تؤثر على إتمام التنفيذ ، و قد تكون هذه الظروف سببها الإدارة و قد لا يكون لها دخل في ذلك .
و نظرا لارتباط العقد بالمرفق العام و تحقيق الصالح العام استقر الأمر على انه يجب على الإدارة تحقيق التوازن المالي ، و هذا المبدأ أدى إلى ظهور نظريتين نتناولها كما يلي :
*-نظرية فعل الأمير : و يراد بفعل الأمير جميع الأعمال الإدارية المشروعة التي تصدر عن السلطة الإدارية المتعاقدة تؤدي إلى الضرر بالمركز المالي للمتعاقد ، كما أنها إجراء إداري يصدر من الإدارة المتعاقدة يؤثر على تنفيذ العقد بحيث يزيد في أعباء إضافية للمتعاقد .
و يشترط لتطبيق نظرية الأمير خمسة شروط :
- أن يكون الفعل الذي أحدث الخلل في العقد صادر عن الإدارة المتعاقدة
- أن ينصب الفعل أو الإجراء على عنصر أساسي
- ان يكون الفعل الذي أدى إلى حدوث الخلل غير متوقع من الطرفين
- أن لا يكون ذلك الفعل المؤدي إلى الخلل غير مشروع
- أن يؤدي هذا الإجراء أو الفعل إلى أضرار مالية فيخل بالتوازن المالي.
*-نظرية الظروف الطارئة : و أن هذه الظروف لا علاقة للإدارة المتعاقدة سببا فيها أي مستقلة عن اطراف العقد .
و يشترط لتطبيق نظرية الظروف الطارئة توفر مجموعة من الشروط
- أن تكون الظروف أو الأحداث مستقلة عن إرادة المتعاقدين
- ان يكون الظرف غير متوقع من الطرفين أثناء التعاقد
- أن تحدث أضرارا بالغة تؤثر في التوازن المالي.
سادسا : نهاية العقود الإدارية :
و تنتهي بطريقة العادية و غير العادية
-1النهاية العادية : و تتمثل في تنفيذ العقد و انتهاء آجال التنفيذ
-2النهاية غير العادية :و يكون في حالة الفسخ ، و الفسخ نوعان :
أ-*-الفسخ باتفاق الطرفين : و هو باتفاق الطرفين ، و يصاحبه تعويض عما فات المتعاقد من كسب نتيجة لإنهاء العقد قبل أوانه.
ب-*-الفسخ بقوة القانون :و يكون في حالات معينة : -هلاك محل العقد : فإذا كان هلاك المحل بسبب خارج عن إرادة الطرفين فهنا ينقضي العقد دون أن يتحمل أي من الطرفين تعويضا بسبب الإنهاء ، أما إذا سبب الهلاك راجع للإدارة فإنها تعوض المتعاقد عن هذا الإنهاء الذي تسببت فيه.
-إذا تحققت أسباب معينة منصوص عليها في العقد : و هنا يتم الاتفاق مسبقا على أن العقد يعد مفسوخا إذا تحققت أسباب و يكون الفسخ تلقائيا اعتبارا من ذلك التاريخ.
ت-الفسخ القضائي : و يكون بحكم قضائي بناءا على طلب الإدارة أو المتعاقد معها و في حالات معينة :-
الفسخ القضائي بسبب القوة القاهرة : يعفى الطرفان من تنفيذ العقد بسبب القوة القاهرة.
-الفسخ القضائي كجزاء للإخلال بالالتزامات العقدية : يكون بناء على طلب الإدارة أو المتعاقد و في حالة
إخلال احد الطرفين بتنفيذ التزاماته ، و تلجأ إليه الإدارة لكي تضمن عدم رجوع المتعاقد عليها بالتفويض إذا تبين أن قراراها بالفسخ مشوب بالتعسف.
-الفسخ مقابل حق الإدارة في تعديل العقد : إذا مارست الإدارة سلطاتها في التعديل يمكن للمتعاقد معها حق المطالبة بالتعويض إذا رأى أن التعديل تجاوز إمكانيته المالية و الفنية .
-الفسخ عن طريق الإدارة : تملك الإدارة سلطة فسخ عقودها دون اللجوء إلى القضاء و دون وقوع خطأ من جانب المتعاقد مع تعويضه عند الاقتضاء و إذا اقتضت المصلحة العامة ذلك.